لمحة تاريخية عن مدينة انزكان انزﯕان-تاريخ- كلمة امازيغية مركبة من (أنزﯿﯔ) بمعنى الغار، ومن (أن)بمعنى ذاك، و هي إما بصيغة المفرد (أنزﯿﯔ-أن) ذاك الغار، أو بصيغة الجمع (انزﯿﯕن-أن) تلك الغيران، و بتوالي الإستعمال أصبح (انزﯕان) و هو الاسم الذي يشار به لذلك المكان المعروف به الآن، يوجد في قبيلة ﻤﺴﯕينة شمال (انزﯕان) مكان يدعى أنزﯿﯔ أوشن غارالذئب قرب قرية تاباطكوكت.توجد مدينة انزﯕان قرب الطريق التجارية الرابطة بين الصحراء و أﯕادير و الصويرة، و هي تبعد بعشرة كيلومترات عن مدينة أﯕادير، و كانت هذه المنطقة عبارة عن تل صخري من طبقات كلسية ينتهي بجرف نحو مجرى نهر سوس، حيث أدت التعرية المائية الباطنية إلى تشكيل عدة غيران كظاهرة غريبة في المنطقة السهلية، و هي أصل الإسم، و من أبرزها غار كبير يفصل بين موقع انزﯕان و حي الجرف الآن، استغل كمجرى للمياه الحارة، و غار آخر يوجد في سمت ضريح الولي الحاج مبارك.وتذكر الرواية الشفوية، أن أجنبيا نصرانيا هو أول من سكن هذا الموقع قرب مكان ضريح سيدي محمد العروسي، و كان هذا النصراني يتصل بشاطئ البحر و يعود ليلا، اتخذ له مسكنا من الحجارة، و قد انتبه إليه سكان "المرس" قرب تيكيوين و جاءوا إليه فطردوه. و منذ ذلك الحين أصبح هذا الموقع محلا للاهتمام، أي بداية القرن التاسع عشر، حيث عرف وفود بعض الأسر التي تنتمي إلى أصول مختلفة: حاحة، الشياظمة، عبدة، أيت باعمران و الصحراء إضافة إلى بعض الركيبات. و حسب تقييد أول فقيه "شارط" في مسجد صغير في بداية تأسيس القرية فقد بلغ عدد الأسر الأولى سبعا و هي: أيت منصور، أيت بلخيرن، أيت بوحسين، أيت أبهي، أيت ألحيان ،و أيت القايد و أيت العربي ثم لحقتها أسر أخرى.إذا يمكن القول بأن مدينة "انزﯕان" كانت قديما عبارة عن قرية كبيرة إلى منتصف القرن التاسع عشر، و هي تعد من بين قرى قبيلة كسيمة، هذه القبيلة التي عرفت بنظامها القبلي المبني على الأعراف المكتوبة التي اعتمدها سكان المنطقة لتنظيم حياتهم العامة.و كانت هذه القبائل، و ضواحيها تعج مدارسها بالفقهاء، و الطلاب الوافدين إليها، و من هذه المدارس نذكر المسجد الكبير الذي يعود تاريخ تأسيسه إلى سنة 1885 م(يعود تاريخ تأسيس هذا المسجد إلى فترة حكم مولاي الحسن الأول عندما قام برحلته إلى الصحراء سنة 1885م فاستقبله علماء و فقهاء مدينة انزكان في طريقه إلى الصحراء و طالبوه بأن يدشن لهم المسجد في المكان الذي بني فيه الآن و تجدر الإشارة إلى أن ترميمه و إتمام بنائه قد تم في بداية الستينات من القرن الماضي) ، فهذا المسجد يعتبر من أبرز معالم مدينة"انزﯕان"، و يتوافر على مدرسة اشتهرت بالقراءات كباقي مدارس قبيلة كسيمة التي كانت القراءات السبع مستفحلة في مساجدها.ومن أهم الذين قاموا بالتدريس فيها: الشيخ المقرىء سيدي عبد القادر بن أحمد، و سيدي مبارك نطالب، وسيدي علي يبورك، و سيدي ابراهيم بن تهامي الحاحي، إلا أن ازدهار هذه المدرسة علميا كان في فترة الأربعينات و أوائل الخمسينات من القرن الماضي، عندما تولى التدريس فيها الفقيه الحاج عبد الرحمان بن محمد بن علي أمزيل (الحداد) الإنزﯕاني سنة 1938 (الحاج عبد الرحمان الإنزكاني في أوائل الخمسينات انتقل إلى مسجد ارحالن بالدشيرة و خلفه الأستاذ امحمد العثماني و بطلب من سكان انزكان رجع الحاج عبد الرحمان الإنزكاني إلى المسجد الكبير لينتقل الأستاذ امحمد العثماني إلى مدرسة سيدي ميمون). كان والده كما قال عنه المختار السوسي : "عالما كبيرا كان ابن نفسه عصاميا مشهورا رفع راية العلم في قريته بانزﯕان، كما كان يقضي بين الناس في عهد القائد الحاج أحمد، و له أخبار حسنة توفي أواخر العقد الثاني من القرن الماضي".يعتبر الفقيه الحاج عبد الرحمان الإنزﯕاني، من أهم علماء "انزﯕان" لأنه قام بدور بارز في بناء مجتمعه، و كرس حياته للعبادة، و تربية النشء و العامة على الأخلاق الفاضلة بحفظ القرآن،و نيل المعارف، و كان يهتم بتسيير شؤون الناس في أمور الدين و الدنيا، و من أهم الأنشطة التي تقام تحت إشرافه إلى جانب تعليم القرآن، مراقبة أوقات الصلاة، و ضبطها فلكيا، و رصد آهلة الشهور، و مراسيم إحياء ليلة المولد،وليلة القدر، و مراسيم صلاة العيدين،والعناية بموكبها تنغيصا على اليهود و إحياءا للقيم الإسلامية بالمدينة ،بالإضافة إلى أنه يشرف كذلك على "نزهة الطلاب" التي تقام سنويا باجتماع طلاب المدارس العتيقة فيما يسمى ب"أدوال-ن-طلبا"، و ينتقلون بين المدن و القرى في نزهة يحتفى فيها بالطلبة، و يكرمون لمدة ثلاثة أيام في كل إقامة، من أهداف هذه النزهة أيضا التعريف بكيفية قراءة القرآن الكريم على طريقة ورش، و ترسيخ القرآن في عقول الطلبة، ومن الأهداف أيضا التعارف و صلة الرحم و التعاون وأيضا تزويد الطلبة علميا و ماديا، كما أن هذه النزهة لا تقتصر على قبيلة ﯕسيمة فقط، بل تتناوب القبائل المجاورة على إقامتها سنويا.وفي مدينة إنزﯕان تقام بساحة أيت القايد "أسايس نايت القايد" شمال المسجد الكبير و قد انقطعت هذه النزهة في حدود سنة 1958 (حسب رواية شفوية فهذه النزهة لم تنقطع إلا في أواسط الستينات بدلالة الوثيقة التي هي عبارة عن رخصة لتنظيم أدوال حول كسيمة و التي تعود إلى سنة 1964)، و كان يترأس كذلك عادات التناوب بين السكان في نوبة الرعي "تاوالا" التي تقام بساحة النوبة " أسايس ن توالا" جنوب المسجد الكبير يوميا و بالإضافة إلى ذلك اشتهرت مدارس كثيرة بقبيلة ﯕسيمة أهمها : مدرسة المزار،مدرسة سيدي ميمون،مدرسة أيت ملول، مدرسة بوزوك، مدرسة ارحالن، مدرسة تراست، مدرسة الغياتن، ومدرسة الجرف،وغيرها من المدارس و هناك غيرها من المدارس.نلاحظ أن الإنزكانيين أولوا اهتماما كبيرا للجانب العلمي و الثقافي،وهذا شيء طبيعي يعكس تأثرهم الشديد بخصوصية منطقة سوس التي ينتمون إليها.فهؤلاء الفقهاء و العلماء الذين قمنا بذكر أسمائهم ليسوا وحدهم الذين رفعوا راية العلم بمدينة إنزكان، و إنما هناك علماء آخرون لم تتم الإشارة إليهم و ذكرهم. كما قال المختار السوسي : " هؤلاء من جرى ذكرهم فقيدتهم عن ذلك الشريف، و عن غيره من بعض المسنين الحاضرين، و أخبار علماء تلك الجهة قد ضاعت كثيرا مع أن فيها أفذاذا، و العلم كان كثيرا هناك كما كان كثيرا في كل جوانب قبائل سوس"فالسوسيون و كما هو معروف، أولوا عناية كبيرة لإنشاء مدارس علمية و دينية، حيث بلغ عددها“ حوالي مائتي مدرسة اصطلح على تسميتها بالمدارس العتيقة، و كثير منها لا يزال يؤدي دوره إلى اليوم على الرغم من هزال الإمكانات و قلة الاهتمام المعنوي و المادي“.يتضح لنا أن السكان اهتموا منذ القديم بالجانب العلمي، بالرغم من كون أغلبهم يشتغلون بالفلاحة و تربية الماشية التي تفرضها عليهم طبيعة الحياة التي كانوا يعيشونهاو قد زاد هذا الإهتمام بفضل التطورات و التحولات التي شهدتها المنطقة بعد الإستقلال، مما جعلها تنتقل من مظهرها القروي إلى مظهرها الحضري الذي تطلب منهم تغيير أنشطتهم التقليدية، و مزاولة أنشطة حديثة و حضرية لمواكبة التطور الحاصل في مختلف المجالات.و نتيجة اندماج المدينة في الحياة المعاصرة، تغيرت كثير من التقاليد و الأعراف المذكورة، حيث توقفت نزهة الطلاب، و اختفت تربية الماشية في المدينة في حدود سنة 1971 بقرار بلدي، و جفاف السواقي أعوام الستينات بعد انتشار فلاحة الآبار، و محركات السقي، و تفويت الأراضي، و تخلي الفقيه عن تحرير العقود بعد انتظام الحياة الإدارية و القضائية بالمدينة.ولابد أن نشير كذلك إلى اللغة الأصلية لهذه المنطقة، وهي اللغة الأمازيغية و تليها اللغة العربية الدارجة التي نتجت عن اختلاط اللسان الأمازيغي باللسان العربي في المنطقة نتيجة الهجرة. ********** المصدر (مقال مقتبس من بحث لنيل الاجازة للطالب الحبيب الوهباني) |
الأربعاء، 11 يناير 2017
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
0 commentaires:
إرسال تعليق