هسبريس ـ ميمون أم العيد
الأربعاء 16 يوليوز 2014 - 00:30
من العادة أن يكون لكل ولي أحفاد، وإن لم يرثوا بركته، مركزه واهتمام الناس به، فليرثوا مصدر رزق للتكسب من الإشراف على الولي، وجمع عطايا الزائرين والمؤمنين بالبركات والكرامات..
لكن الولي سيدي بيبي لا أحفاد له ولا أبناء، على الأقل في محيط ولايته بسوس. ذلك ما وقفنا عليه أثناء زياتنا لمقام هذا الولي بحثا عن معلوماته، فحتى حارس الضريح لا يعرف شيئا عن سيرة رجل متعبد دُفن في هذا المقام، وتحج إليه قبائل سوس في أول خميس من شهر غشت كل سنة. كذلك رجال العلم أهل البلدة لا يعرفون شيئا عن سيرته.
هناك اعتقاد سائد بأن سيدي بيبي وضريحه سبق السكان إلى هذا الموضع. وهو أول من سكن هذه المنطقة قبل أن تزدهر فيها الفلاحة وتصبح آهلة بالسكان من العمال والموظفين وتقنيي المجال الفلاحي.
إلى جانب الضريح يوجد مسجد ومدرسة ابتدائية تحمل هي أيضا إسم " سيدي بيبي"، لكنها في الأصل كانت عبارة عن مدرسة قرآنية لتحفيظ القرآن وعلومه. ثم تهدمت وشَيدت الدولة فوق أطلالها مدرسة ابتدائية.
"بيبي"، غالبا ما يثير في مخيلتنا "الدجاج الرومي" كما في التعبير الدارج، أو "الرضيع" كما في اللغة الفرنسية، وذلك ما جعل الكثير من هواة التخمين إلى اختلاق قصص ساخرة عن أصل الولي سيدي بيبي دفين تلك القبة.
هذا يقول أن رجلا فقد دجاجته الرومية ودفنها هناك وبنى مزارا واختلق كرامات صدّقها الناس وحجوا من كل فج عميق، وآخر يقول أن نصرانيا دفن ابنه الرضيع هناك، ومن محبّته الشديدة له شيد له ضريحا دأبت قبائل سوس على عيادته والتبرك به، وغير ذلك من الروايات.
لكن أغلب هذه الروايات مبنية على العلاقة اللفظية بين الدال والمدلول، وتفتقر إلى أي سند وتأكيد. لذلك ندرجها هنا فقط للاستئناس. خاصة إذا علمنا أن سوس منطقة شهيرة بعلمائها وفقهائها الذين تلقوا العلوم وعلموها، وليس من السهل أن يلتئم الناس بهذه السهولة للتبرك بولي وزيارة قبره لمجرد أن شخصا دفن شيئا ما هناك. خاصة إذا علمنا أن مدرسة قرآنية عتيقة بُنيت على مقربة من الضريح وكانت لسنوات تُرسل طلبتها نحو تارودانت لاستكمال مشوارهم التعليمي.
باستثناء كتابَيْ "الإبداع والإتباع في تزكية شرف أبناء أبي السباع" لمولاي أحمد ابن مولاي المامون السباعي، و "الانس والامتاع في اعلام الأشراف أولاد ابي السباع" لصالح بن بكار السباعي، لم نعثر على ذكر للولي الصالح سيدي بيبي في كتب المناقب ومثون الأولياء والصالحين.
جاء في هذا الكتابين تحت إسم "سيدي الطيب السباعي المعروف بسيدي بيبي الكائن في الطريق الرابطة بين أكادير وتزنيت". دون وجود معلومات أخرى سوى أنه ينحدر من صلب جد السباعيين الأكبر الولي الصالح سيدي عامر الهامل المكنّى بأبي السباع. وقد قال صاحب "الابداع والاتباع" أن أبو السباع غادر فاس سنة 870 هجرية إبان محاصرتها من طرف محمد الشيخ الوطاسي، قاصدا تلمسان التي أقام بها، ثم غادرها بعد سنتين نحو جبل شاهق يدعى " أضاد إمدن" فمكث هناك متعبدا مدة تقارب 12 سنة، حتى اشتهر أمره وذاع صيته وتعددت كرامته.
بدأت القبائل تزوره وتطلب بركته وخدمته، ولما سمع به أمير قبيلة مجاوره بعث له 99 فارسا وأمرهم باختباره والتضييق عليه، حتى تظهر منه كرامة أو يأتوا به أسيرا.
يضيف نفس المصدر أن عامر الهامل أكرم الوفد واستقبله بالبشاشة وأطعمهم وأحسن مجلسهم، لكنهم لم يرضوا بذلك، وقالوا له " لقد قصّرت في ضيافتنا ولم تقدرنا حق قدرنا. والآن إما أن تدبح لكل واحد منا شاة، وإلا سلبناك مالك وأخذناك أسيرا عند أميرنا". فما كان منه سوى أن صاح طالبا النجدة فهجمت سباع من كل جانب، وأحاطت بالفرسان من كل جانب. تناوشهم حتى لاذوا به وتعلّقوا بأذياله يتضرعون إليه، ثم صاحوا " يا أبا السباع كف عنا سباعك فنحن ثائبون إلى الله عما اقترفناه في حقك" .وكان هذا الرجل جد السباعيين ومنهم سيدي الطيب المعروف بسيدي بيبي، كما تقول بذلك المصادر المذكورة سلفا.
أغلب الظن أن " سيدي بيبي" سلك طريق جدّه المشهور بأبي السباع، خاصة مع وجود روايات شفوية تقول بمقدمه من الساقية الحمراء، لذلك قصد مكانا نائيا في اشتوكة أيت باها وتعبد هناك تحت شجرة أركان، تعبّد وحده وناجى ربّه إلى أن وافته المنية ودفنته القبائل السوسية وشيدت له مزارا تتبرك به ويقصده كل ذي حاجة يرجو قضاءها: طلب زواج، استشفاء من علة جمسية أو عقلية، طلب قَبول وحب الناس، مستنجد ببركة الولي لإنجاح تجارة..
يُقام موسم سيدي بيبي في الخميس الأول من شهر غشت كل سنة. فإلى جانب أنه مناسبة سياحية وتجارية فهو مقصد العديد من السكان الذين يعتقدون في بركة الولي سيدي الطيب المشهور بسيدي بيبي في تزويج من تأخر زواجها، إذ يقول المسنون "أن الفتيات كُنّ يقصدن شجرة أركان قريبة من الضريح ويعلقن بها بعض قطع أثوابهن فلا يمضي وقت كثير حتى يتزوجن ببركة الولي سيدي بيبي". لكن شركة للبناء قامت بإزالة تلك الشجرة العجيبة منذ سنوات.
تزوره النساء لتقبيل كسوة القبر بحثا عن البركة، كما يقيم فيه من يشكوا أمراض الشلل والمفاصل والمختلين الذين يستقدمهم أهلهم لسماع القرآن من أفواه فقهاء يلازمون الضريح طيلة أيام الموسم.
0 commentaires:
إرسال تعليق