آخر المواضيع
تحميل ...
الخميس، 6 أغسطس 2015


بعض الأساطير المتعلقة برباط ماسة


مسجد رباط ماسة،

أدخلنا هذا المسجد في إطار الأساطير رغم وجوده المادي حيث ما تزال بعض جدرانه تظهر للعيانتحت الكثبان، إلا أن المكانة التي يحتلها في الذاكرة الشعبية تلبسه قداسة أكبر من مهام المسجد في الدين الإسلامي، فنجد مجموعة من الآثار و الأحاديث الموضوعة تتعلق بأفضلية هذا المسجد، وتتداول بالخصوص أيام الموسم الديني ولاشك أنها موضوعة لاسباب أقواها الترغيب في الجهاد وتحبيب المرابطة والإقامة في هذه الأرض التي كانت من ثغور الإسلام.

وأول من تحدث عن هذا المسجد هو ابن عذارى حيث يروي عن الشيخ الصالح أبا علي صالح بن أبى صالح انه لم يصح عنده أن عقبة رضي الله عنه حضر بنيان شيء من المساجد بالمغرب إلا مسجد القيروان ومسجدا بدرعة ومسجدا بالسوس الأقصى، وهذا الأخير يختلف حوله المؤرخون، هل هو مسجد بايجلي أم بماسة؟.

وقد استبعد الكثير من المؤرخين وصول عقبة بن نافع إلى هذه المنطقة، كما انه يستحيل بناء مسجد في فترة قصيرة قضاها لنشر الإسلام أساسا، ونجهل المصدر الذي اعتمد عليه المالكي عندما أكد أن عقبة بن نافع هو الذي بني مسجدا في مدينة ماسة، أما الإشارة الثانية حول هذا المسجد فنجدها عند ابن خلدون في حديثه عن التحديد الجغرافي لسوس: " وعليه (أي المحيط الاطلنتي) مسجد ماسة وبلدتا تاكاوت ونول من بلاد سوس) وقد دعا رباط ماسة بمسجد ماسة، إلا انه كنا سنستفيد من الوصف الميداني الذي يميز كتابات ابن بطوطة إلا انه لم يعرج على المنطقة أثناء رحلته الشهيرة إلى بلاد السودان.

على أن أول من زار هذا المسجد هو الحسن الوزان الذي يقول عنه: " ويوجد في خارج ماسة على شاطئ البحر مسجد يقدسه الناس كثيرا..." ثم يضيف في نفس المكان " أن النبي يونس (عليه السلام) لما التقمه الحوت نبذ بالعراء في ساحل ماسة وجمع العوارض التي تحمل سقف هذا المسجد من عظام سمك ضخم " وهنا إشارة مهمة لفتت انتباه الوزان وتتعلق بنوع الأعمدة التي وجدها أي عظام السمك، وحول مصدرها الأسطوري، يرى المؤرخ غير هذا الرأي المسيطر على الأذهان فيعلل ذلك بقوله: " وكثيرا ما يهيج البحر فيحدث أن يقذف على شاطئ ماسة بعدد من السمكات من هذا النوع قرب المسجد إلا وماتت بسبب البركة التي منحها الله لهذا المسجد، وكان يصعب عليَّ أن أصدق ذلك لولا أنني رأيت بعيني سمكات منها يقذف بها البحر ميتة كل يوم، وقد تحيرت من ذلك غير أنى تحادثت فيما بعد مع شيخ اليهوديين من نفس المكان فأخبرني بأنه لا عجب في ذلك، إذ يوجد في البحر على بعد نحو ميلين من البر بعض الصخور العظيمة الحادة، فإذا هاج البحر ذهبت هذه السمكات هنا و هناك ومن اصطدم منها بتلك الصخور جرح ومات، ولهذا ينبذه البحر بعد ذلك على الساحل حيث نراه، فظهر لي هذا التأويل خير من تأويل العامة " وهذه المعاينة والشهادة كافية للتأكيد على أن هذا المسجد له مكانة مقدسة في نفوس العامة بل تم ربط بركته بقوة البحر الذي يقذف باسماك ضخمة إلى الساحل.

ويلاحظ انه إلى غاية القرن السادس عشر الميلادي كان ولا يزال الزوار يرتدون هذا المسجد لكن تراكم الرمال في مصب الوادي غطته، ويحدد مكانه حاليا بأكوام ونطاقات من الحجر تصلي عليه النساء أثناء الزيارات التي يقمن بها إلى هذا المكان.

وإ ذا حاولنا أن نتبين أهم المرافق المكونة لهذا المسجد، فباعتبار انعدام أية إشارة مادية بسبب زحف الرمال فوق موضعه فان رباط ماسة لا يختلف في هيكله عن ربط إفريقية التي بين مارسي الكثير من معالم رباطي سوسة والمونستير، على انه يمكن تلخيص رسم الرباط البسيط كما يلي:


- له صور مربع ومرتفع تكتنفه الأبراج النصف الدائرية من أركانه ووسطه.


- هناك سلم يهبط درجة إلى الداخل حيث تقوم الباحة الوسطى تحيط بها أربعة أروقة مسقوفة وصوامع غاية في البساطة.


- والصعود إلى الطابق الأول أيضا من صوامع تقوم على الجوانب الثلاثة للباحة.


- تمتد على طول الجانب الرابع قاعة بها محراب وهي مصلى الرباط.


- هناك على مستوى الشرفات والتي تعلو الطابق الأول، باب برج الإشارة وهو أسطواني الشكل يرتفع من القاعدة المربعة لإحدى الزوايا الخارجية القائمة في ركن من أركان الرباط ويشرف على الحصن من ارتفاع يبلغ ستين قدما.

تعتبر هذه المرافق أساسية في مختلف الربط التي أسست في هذه الفترة ولاشك أن رباط ماسة لا يختلف عنها وان كنا لا نجزم بوجود جميع هذه المرافق لاعتبار صعوبة تمييزها نظرا لتراكم الرمال عليها، وإذا كانت بقايا بعض الجدران ترى بالعين المجردة فهي مبنية أساسا بالأحجار والطين كما لا تزال في أقصى الزاوية الشمالية آثار لدروج تؤدي إلى الطبق الأسفل كما أننا حصلنا على معلومات من رجل مسن،(يبلغ أكثر من 100 سنة طلب منا الاحتفاظ باسمه) من اغبالو رأى بأم عينيه مجموعة من المراحظ، يؤكد أنها مبنية بالأحجار والطين أساسا ومغطاة بالجير الأبيض. أما المنظر الخارجي فهو أيضا لا يختلف عن نظيره لسوسة والمنستير.


أسطورة حجر يونس،


قال تعالى :"وان يونس لمن المرسلين، إذ ابق إلى الفلك المشحون، فساهم فكان من المدحضين، فالتقمه الحوت وهو مليم، فلولا انه كان من المسبحين، للبث في بطنه إلى يوم يبعثون، فنبذناه بالعراء وهو سقيم، وانبتنا عليه شجرة من يقطين."(سورة الصافات ،الآيات:138-147)

هنا تتدخل الرواية الشفوية لتعلن أن المكان الذي لجأ إليه يونس عليه السلام بعد هذه الحادثة هو ساحل ماسة المقدسة ويعضد ابن عذارى هذا الرأي حين يروي عن الشيخ أبى علي صالح قوله: " ثم صار عقبة من ايجلي حتى وصل ماسة، فادخل فرسه في البحر حتى وصل تلابيبه، وقال: " السلام عليكم! يا أولياء الله! " فقال له أصحابه: " على من تسلم!" قال: على قوم يونس عليه الصلاة والسلام!" اللهم انك تعلم أنى لم اطلب إلا ما طلب عبدك ووليك ذو القرنين، ألا يعبدَ في الأرض غيركَ." كما أن الحسن الوزان أكد نفس الرواية بعد ذلك: " ويقال أن النبي يونس (عليه السلام) لما التقمه الحوت نبذ بالعراء في ساحل ماسة، وجمع العوارض التي تحمل سقف هذا المسجد من عظام سمك ضخم."

ان المكان المدعو بحجر يونس يقع في الجهة الشمالية الغربية لموقع الرباط وبالضبط على رمال الشاطئ. وتعلوه أجراف حادة، والحجر متوسط الحجم يبدو أن حجمه يتقلص بسبب تعرضه لمياه البحر المالحة. على أن اختفاء الرباط وهيكله تحت الرمال لن تنس العبادة الموجهة لحجر يونس، كما يؤكد روبير مونطاني أثناء زيارته للمنطقة ويضيف " أنه يوجد - في زاوية سيدي وساي على بعد كيلومترين من الوادي - جزء من هيكل عظمي ضخم في إحدى المقصورات، ويعتقد الناس أن لمسه يشفي من كل الأمراض وذلك كله ببركة يونس. " وان احترام وقداسة هذا المكان لدى الناس ترجع إلى جنوح سمك البلين إليه جعل سيدنا يونس يضع قدماه هنا وجعل هذا المكان مقدسا ومعروفا في جميع الناحية خاصة لدى النساء اللواتي يمارسن مجموعة من الطقوس منها اثبات القصب في حفر موجودة بهذا الحجر ووضع حفن من بذور الشعير والذرة والقمح ويفسر هذا في الذاكرة الشعبية بالبحث عن بركة سيدنا يونس والتوسط لديه حتى ترزق الفتاة البكر زوجا صالحا. وهنا تحضرني قصة امرأة اصلها من هذا الرباط أكدت أنها حلمت حلما مرعبا فإذا بها تجد كتابة بالصمغ في ذراعها الأيمن، وحين استفسرت عن السر في ذلك أكد لها الفقيه أن سيدي الرباط أمرها: " بقلع الفتات والغبار من العيون بلسانها " ومن الروايات الأخرى التي تروى في صفوف النساء خاصة في أغبلو يذكرن أن امرأة تسمى للاَّعْزُّونَة كانت تسافر كل ليلة لحضور مجمع الأولياء ببحر سيدي الرباط وكانت تترك طفلها في الشاطئ يحرسه الذئب، إلا أن زوجها كشف هذا السر مرة. وقبرها يزار اليوم في المقبرة المركزية باغبالو.

وتكثر الطقوس في التاسع من ذي الحجة من كل سنة حيث يعقد الموسم الديني الذي يطلق عليه (تاعرافت) ويعتقد الكثيرون أنه يوازي أداء فريضة الحج لمن حضر فيه، وبجوار حجر يونس تصلي النساء الظهر والعصر تقليدا لما يقام في مكة وكثرة آثار الأرجل في هذا المكان يدل على الاحترام الذي يتمتع به. بيد أن أهمية وبركة هذا المكان المسمى حجر يونس يتجاوز المنطقة إلى خارجها، فهذا زعيم الطائفة الغماتية الشيخ أبو عبد الله محمد الهزميري (توفي سنة 768هـ) يشد رحاله من أغمات وريكة إلى رباط ماسة وهي مسافة تحتاج إلى وقت طويل ونقل عن الثقاة عن محمد بن زكراء اللمطي بن الامان يقول أن الشيخ رحمه الله – أبى عبد الله – مكث بين مسجد ماسة والحجر المسمى بحجر يونس (عليه السلام) شهرين وسبعة أيام، أتيه عند تمام كل أسبوع بشيء من التلبية فأضعها أمامه فينظر إليها ويشير بيده، ولا أعرف ما يقول، ثم يأمر بحملها فارفعها وانصرف.

ويطرح روبير مونطاني مسألة تحول أسطورة يونس من ساحل سيدي وساي إلى مكانه الحالي فيؤكد أن تحول الأسطورة الدينية ليونس المرتبطة بالقباب العربية الأندلسية له تفسير في الذاكرة الشعبية والطبيعية للبربر، وهذا التفسير يرتبط بمسألة الجنون مما أدى إلى تحويله من الضفة الغربية إلى الشرقية. بل تذهب الرواية الشفوية ابعد من ذلك حين تؤكد انتشار أسطورة حجر يونس حتى في سواحل سيدي والفضائل. وللحسم في هذا التضارب فإن روبير مونطتني حينما يستعمل (الذاكرة الطبيعية للبربر) فوراء ذلك أهداف معينة استعمارية أساسا كان لها معناها في ذلك الحين، على أننا نؤكد أن حجر يونس كان مكانه هو رباط ماسة وهذا ما يؤكده مسنوا المنطقة ويعضد ذلك أيضا سياحات الهزميري إليه منذ القرن الخامس الهجري.

إضافة إلى حكاية حجر يونس نجد الكثير من الروايات في المنطقة عن الأنبياء منها ما يرويه مونطاني من أن طاقما من البحارة حملتهم العاصفة إلى شاطئ ماسة بالقرب من رباطها فوجدوا صندوقا فيه جثة رجل فبعثوا برسالة لخليفة المسلمين عمر بن الخطاب الذي رد عليهم أن الذي عثرتم عليه في ارض ماسة هو النبي داوود، وعليكم بإقفال الصندوق، ولما تمثل الرجال للأمر ظهر في البحر طريق سلكته سفينتهم وغادروا هذه الأرض المقدسة.


أسطورة الدجال،

يعتقد مسلموا المغرب انه سيخرج المهدي المنتظر من ساحل ماسة وهذا الاعتقاد قديم، وقوي كما يؤكد ذلك ابن خلدون :" وهناك رباط ماسة المشهور المعروف بتردد الأولياء وعبادتهم، وتزعم العامة أن خروج الفاطمي منه" كما يذكر المؤرخون أن المهدي المنتظر سيخرج من مسجد ماسة.

من هذه النصوص يتضح أن هناك اعتقاد راسخ يؤكد بأن هذا المكان هو الذي سيشهد انبعاث من يغير أمر هذه الأمة، وتختلف الألقاب التي تطلق على هذا الرجل الأسطورة فهو المهدي المنتظر، أبو حمارة " بوتغيولت " كما تسميه العامة وتضيف بأنه سيخرج في آخر الزمان وسيتبعه الجميع إلا النائم والمصلي والمريض. وقد حاول ابن خلدون البحث في سر انتشار فكرة المهدي المنتظر وخصص لذلك فصلا كاملا عنوانه: " في أمر الفاطمي وما يذهب إليه الناس وكشف الخطأ عن ذلك" فقد جمع نخبة من الأحاديث الموضوعة ومن كلام المتصوفة، ونختار منها ما أخرجه الترميدي وأبو داوود عن أبي العباس عن عاصم عن أبى النجود عن عبد الله بن مسعود عن النبي (ص) قال :" لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث الله فيه رجل مني، ومن أهل بيتي يواطىء اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبى"

وعن أبا يعلى الموصلي عن أبى هريرة قال: " حدثني خليلي، أبو القاسم، لا تقوم الساعة حتى يخرج عليهم رجل من أهل بيتي فيضربهم حتى يرجع إلى الحق، قلت: وكم يملك ؟ قال: خمسا واثنين، قلت: ما خمسا واثنين؟ قلت لا أدري.؟

وقد استعرض ابن خلدون مجموعة من الأحاديث تؤكد كلها على أن الفاطمي المنتظر لا بد أن يظهر طال الزمن أم قصر، وقد استغل الكثيرون هذه الأقوال في جميع أنحاء العالم الإسلامي لانتحال شخصية الفاطمي المجهول وينعتهم ابن خلدون قائلا: " ونجد الكثير من ضعفاء البصائر يقصدون رباطا بماسة لما كان لذلك الرباط بالمغرب من الملثمين من كدالة واعتقادهم انه منهم قائمون بدعوته زعما لا مستند لهم إلا غرابة تلك الأمم وبعدهم عن يقين المعرفة بأحوالها من كثرة أو قلة أو ضعف أو لبعد القاصية عن منال الدولة وخروجها عن نطاقها فتقوى عندهم الأوهام في ظهوره هناك بخروجه عن رقعة الدولة ومنال الأحكام والقهر ولمحصول لديهم في ذلك".

وطيلة تاريخ المغرب شهد هذا الرباط خروج مجموعة من الثوار، يستغلون هذه الفكرة للثورة ضد الحكم المركزي، وإذا عدنا إلى أسطورة الدجال في الوسط المحلي فإنه قليلا ما نتحدث عنه اللهم في الموسم الديني من أجل إثارة الرعب في النفوس، غير أن مونطاني يؤكد دائرة الأساطير الشعبية في ماسة تستمد أصلها من حديث مفهومه: " أن رجلا اهور سيظهر هنا - برباط ماسة - كما أن هذه النكتة استولت على الاعتقاد وتفسر بأنه في الوقت الذي يرن فيه طبل ماسة المخفي تحت الرمال، يخرج الدجالون من الأرض في صورة أقزام صغيرة عوراء وشنيعة تأكل المحصولات وتترك الناس يموتون جوعا، وهنا يظهر المهدي سيدنا عيسى بن مريم ليصلي وراء الدجال"

لا نستبعد تداول مثل هذه الأقاويل في بداية هذا القرن خاصة وأن الاستعمار الفرنسي بدأ يتغلغل في المنطقة ونعرف أن الإنسان حين يعجز أمام قوة طبيعية أو بشرية يلتجأ إلى ممارسة طقوس منها أن أهل ماسة يعتقدون أن هدير البحر فوق الطبل سيكون علامة لوصول المهدي، ويقول الراوي: " أن الكل هنا يعرف أن قبور الأولياء تتمدد كل سنة".


المصدر
http://samir.ouabala.free.fr/tarikh/assatir.html



0 commentaires:

إرسال تعليق

ابحت عن موضوع