آخر المواضيع
تحميل ...
الخميس، 31 أغسطس 2017

موسم مولاي الحاج - أيغد تافراوت



موسم مولاي الحاج - أيغد



المواسم ظاهرة احتفالية تقام كل سنة، تلتزم بتوقيت لا تحيد عنه إلا لضرورة. وتختلف من حيث مواضعها وطقوس الاحتفال بها، فكانت فلاحية، ثقافية أو دينية. وقد ارتبطت المواسم بالزوايا فكان مناسبة للقاء وتوطيد العلاقات، وترسيخ المعتقد والقيام بالأنشطة التجارية المصاحبة دائما لمثل هذه المناسبات.
وتعرف منطقة تافراوت الاحتفال بعدة مواسم تبدأ مع الصيف وتأتي تباعا ولا تنتهي الا في بداية الخريف وموسم الحرث. ومن بين هذه المواسم موسم مولاي الحاج بأيغد، مدفن الولي محمد بن عبد المنعم مؤسس الزاوية والذي توفي مساء الأربعاء 12 ماي 1824م ذكرت الروايات التاريخية وبعض المخطوطات انه بعد وفات الولي مولاي الحاج قامت قبيلة تاسريرت ببناء قبة على قبره وبعد مضي ثلاث سنوات على وفاته تم الاحتفال بموسمه والذي يأتي في باكورة المواسم لشهر غشت. وكانت للاحتفال بالموسم ثلاث غايات :
- الارتباط الروحي بالزاوية وضمان دعم لها

- خلق رواج تجاري ما بين سكان المنطقة خاصة وأن توقيت الموسم متزامن مع بداية الصيف وموسم القطاف والجني والحصاد

- توطيد العلاقات الاجتماعية والمواظبة على سنة صلة الرحم ما بين العائلات
إن الزوايا عموما لم تكن تأسس إلا لهدفين أولهما نشر الإشعاع العلمي والدين ما بين الناس بتثبيت المعتقد ومحاربة البدعة والالتفاف حول الشيخ الذي له الفتوى والرأي في كافة الشؤون المرتبطة بالحياة الاجتماعية والدينية للفرد والأسرة. أما الثانية فهي سياسية كون الزوايا كانت تشكل النواة لحملات التغيرات السياسية بالمغرب بل امتدت في دورها إلى الأمس القريب بدعم المقاومة ضد المستعمر.
لذا نجد للزوايا هذا الدور الريادي في المجال الروحي والذي يتعدى مسألة الاعتقاد بالكرامات والتمسح بالعتبات واستجداء البركة أو العلاج أو الطمع في لفتة من روح الولي ليشمل الزائر بعطفه فيكون له الخير الكثير من ذلك. فقد أنجبت الزوايا فقهاء نجباء استطاعوا أن يؤسسوا صروحا للعلم ضل نبعه فياضا إلى الآن رغم انحصار هذا الدور مع ما عرفه العالم من تقدم وحداثة.
وكثيرا ما تقوم الزاوية من خلال الموسم بجمع الهدايا والهبات والصدقات لتكون دعما لها في ما تقوم به من دور في إطعام الطعام وإيواء المحتاج والسعي إلى السلم الاجتماعي ونبذ العنف والصراعات بإصلاح ذات البين بين الناس.
أما السكان فهم المحرك الأساسي لهذه المواسم فلقائهم بهذا التجمعات يؤكد على اللحمة والتآزر، فكان كل واحد محتاجا للآخر لتبادل المنفعة، فصار بعضهم زبائن بعض بعد أن كانوا تجارا قد باعوا ما احضروه بضاعة صنعتها أيديهم كل حسب حرفته. فنجد النجار والخراز والدراز والحداد و كل الحرفيين. فكان الموسم بمثابة معرض، كل جناح فيه له خصوصية فهناك رحبة بيع الغلال، بقربه سوق المواشي والدواب وغير بعيد نجد الخيام منصوبة بنظام تعرض السلع التقليدية والحاجيات المرتبطة بها وغالبا ما تنتهي بخيام للمقاهي والأكل.
ينطلق موسم مولاي الحاج في بحر الأسبوع الأول من شهر غشت بموكب ما يطلق عليه أيت الربا –بتفخيم الباء- وتعني الربع، أي ربع القبيلة ويمثلون وفدا عن القبيلة يأتي حاملا – الدفع- منتجات فلاحية محلية تتراوح ما بين الشعير، البصل و اليقطين بالإضافة إلى ذبائح جماعية تتكون من رأسين من البقر وذبائح يقدمها بعض الأفراد من دجاج ورؤوس ماشية.
يتقاطر الجميع فرادى وجماعات إلى الضريح جنوب القرية حيث يجتمعون إلى قبيل المغرب حيث يتم استقبالهم من طرف مقدم الزاوية ويتم ذبح إحدى الذبائح بعدها يتوجه الجميع إلى مقر الزاوية يمكثون بها ليلتهم وبعد تناول الغداء في اليوم الموالي يرفع الدعاء وينفض الجمع كل إلى والوجهة التي قدم منها.
يبدأ الموسم يوم الثلاثاء والأربعاء بقدوم الباعة وغالبا ما يكون بائعو الثمر أول الوافدين. بعدها يأتي الباعة من خضار وجزار وعارضو البضائع بأنواعها من ملابس وحلي وغيرها من السلع. وتستغل الجهة الجنوبية للسوق كفضاء للمقاهي. يتم نصب الخيام منذ يوم الأربعاء ويستمر النشاط إلى صبيحة الخميس بالانطلاق الرسمي للموسم والذي يدوم يومين فقط.
يقام الموسم على مرتفع مقابل تل تعلوه صخور قديمة تميز البيعة الجيولوجية للمنطقة، فمقبرة القرية حيث مزار الولي تطل على واد موسمي من الجنوب كان إلى الأمس القريب شريطا مخضرا يجود بثمار اللوز والتين، أما شرق فامتداد غير مستوي يمتد نحو خمسمائة متر إلى واد - اد بوونا - يحده التل المذكورة في الشمال الشرقي وتدع مجالا بانحدار طفيف نحو الشمال حيث توجد قرية أيغد.

تبعد القرية عن المقبرة مئات الأمتار في السابق أما الآن فقد أحاط بها البناء، وتكون الطريق الربطة بينهما مزدحمة طول اليومين، قد نلاحظ أن الموسم فقد شيئا من مميزاته القديمة، فقد تقلصت الهدايا والذبائح واقتصر الزائرون بالتنزه، وغالبا ما يكون مكانا ملائما لتعارف الشباب بالشابات دون الخروج عن النطاق المسموح به فتراهم يجلسون بعيدا عن زحمة الخلق تحت شجرة أو صخرة بلباسهم التقليدي. وكثيرا ما انتهت لقاءات عديدة بتفاهم الطرفين على إتمام إجراءات التقرب بالزواج.
وكثيرا ما يتجولون ما بين المعروضات من السلع قصد شراء الهدايا او يطلق عليه – أوسي- وهي عبارة عن هدية يشتريها الشابة لإحدى الفتيات بعد التعرف عليها وتعتبر هذه الهدية بمثابة باروك الموسم وعربون المودة من طرف الشاب.
وقد أخذت ظواهر شادة و دخيلة تصل في بعض الأحيان إلى حد الميوع وترتبط كليا بالشأن الاجتماعي وغالبية الوافدين على الموسم حالية من الشباب الراغبين في تمضية الوقت وربط العلاقات والتعارف خاصة مع الجنس اللطيف.
يخصص يوم الخميس للتسوق والزيارة أما يوم الجمعة ففيه يبدأ العد العكسي لانتهاء الموسم بانطلاق –تغرسوين- وهي طقوس تقديم الذبائح من القبائل الأخرى المجاورة، كل وفد يجتمع بمدخل السوق يتقدمهم مقدم الزاوية ومعه أعيان القبائل يسوقون أمامهم الذبائح رافعين أصواتهم بالتسبيح على لحن متميز جمع العربية بالأمازيغية. وبعد الوصول إلى المذبح يباشر الجزارون عملهم بذبح البقرة والتكفل بها بينما يقوم الفقيه بالدعاء تمهيدا لانسحاب الوفد وفسح المجال لوفد آخر وهكذا إلى أن يتم الانتهاء من تقديم الذبائح حيث يجتمع الجميع للدعاء الختامي وإسدال الستار عن فعاليات الموسم.
من الجانب التجاري فاستمرار الباعة يدوم إلى غروب الشمس ورحيل الزائرين حيث يبدؤون بجمع ما تبقى من بضائعهم وفك الخيام استعدادا للتوجه الى موسم آخر يوشك أن يبدأ. أما في القرية فالكل ينتظر بداية الاحتفال بعد العشاء وتقديم رقصات – أحواش- رجال ونساء إلى حلول الصباح.
يعتبر الموسم نقطة جيدة تستحق الدراسة والتحليل مما تحمله وتختزله من أجوبة لمظاهر مؤثرة في حيات السكان بالمنطقة، فهو المتنفس للتاجر لتسويق بضاعته والملاذ للمريض للتبرك وطلب العلاج واليائس من ولد او زواج لنيل بركات الوالي ونيل المراد، وساحة فسحة للشباب لكسر الروتين المفروض عليه طول السنة محصور بالقرية. والموسم ملتقى لكثير من الأحبة تزوجو عبره وانجبوا الأولاد، ومناسبة للتعارف وصلة الرحم ما بين الأهالي به تزاد الأواصر وتمتن العلاقات وختاما فهو حفل سنوي يقيم تجربة كل فرد ويستغله الرواد لقضاء حوائجهم باختلافها وتنوعها.


زاوية مولاي الحاج



القبة منظر عام

اعتمدت الزاوية في تسيير شؤونها على الدعم المادي المقدم من طرف القبائل المجاورة وكذا الهبات والصدقات والهدايا ووقف المحسنين، ولا تزال هذه الزاوية قائمة رغم فقدانها لبريق الماضي كما هو الشأن في باقي الزوايا بالمغرب.

لم أتوصل الى معرفة تاريخ ميلاد الشيخ مولاي الحاج أو بعض من حياته، والمأثور أنه قادم من جهم ماسة وهناك من يحكي عن قدومه من منطقة حاحا ليستقر بأيغد واعتباره موطنه الجديد، وغالبا ما يكون ما بين 1730م و1750، عاش وتزوج بأيغد وفيها دفن بعد أن وافته المنية يوم الثالث عشر من رمضان عام تسعة وثلاثين ومائتين وألف الموافق لمساء الأربعاء 12 ماي 1824م.

خلف ابنين وهما : مولاي عبد الله ومولاي علي اللذان أكملا مشوار الزاوية ويعود لهما الفضل في إشعاعها، وقد وافت المنية مولاي عبد الله بأيغد ليلة الإثنين 10 من دي الحجة 1305هـ الموافق 18 يناير 1875م، وبقي اخوه مولاي على الوصي على الزاوية الى أن وافته المنية كذلك يوم الجمعة الخامس عشر من شعبان 1305هـ الموافق ل27 ابريل 1888م. رحمهم الله جميعا.






زخارف سقف القبة

تقع القبة على تله غير بعيد عن دوار أيغد، بنيت بالحجارة وبسمك قارب المتر، وقد صممت على شكل مكعب تعلوه نوافذ ضيقة تسمح بمرور الهواء والضوء إلى الضريح. وجه بابها إلى الشمال بقليل من الانحراف نحو الشمال الشرقي. وقد أرفقت بها مرافق للخدمة كبيوت لمبيت الزوار ومطبخ لإعداد الأكل " المعروف" وغير بعيد نجد شجرتي اركان الوحيدتين بالمنطقة يستظل تحتهما الزوار عند الزيارة.


ضريح الشريف





أسفل الهضبة يقام الموسم في الخميس الأخير من شهر غشت من كل سنة، وقد شيدت بالقرب مطفية لتوفير المياه للزوار بعدها قام أحد أبناء الزاوية بحفر بئر وفرت الكفاية من الماء حتى لسكان ايغد عند الحاجة. كما قام بعدة إصلاحات همت كل المرافق بما فيه الضريح.

قبر مولاي الحاج يتوسط الضريح وعليه صندوقا خشبيا بعلو متر وثلاثون سنتمترا مسجى بأثواب مختلفة. وحول الصندوق قبور لأبناء مولاي الحاج. وقد زين سقف الضريح بقبة مزركشة تضفي عليه الطابع الفن الإسلامي الأندلسي.



                

لوح مكتوب عليه شجرة الشريف مولاي الحاج معلق داخل القبة

لم تكن زاوية "مولاي الحاج بأيغد" دون الزوايا المنتشرة بالمنطقة قيمة ومكانة، فهي زاوية قادرية ونجد تعاطفها وتعاملها مع الزاوية الناصرية في كثير من المواسم كإحياء موسم يد المولد النبوي الشريف. أسست الزاوية في القرن الثامن عشر بقرية أيغد تافراوت. عملت منذ تأسيسها على ربط الصلات ما بينالقبائل والعمل على إفشاء السلم الاجتماعي واعتبار مقر الزاوية مكان آمن يلجأ اليه المحتاج، وكباقي الزوايا فقد فرضت سلطتها بدعم من قبيلة تاسريرت التي قامت ببناء القبة والمزار على قبر مؤسسها سيدي محمد بن عبد الكريم بن الحسن القاديري.



المصدر

0 commentaires:

إرسال تعليق

ابحت عن موضوع